لقد كان النسيان منذ القدم من المواضيع الشائكة التي تشغلُ بالَ الفلاسفة، والباحثين. وفي محاولة لِحلّ "مشكلة" النسيان يقترح بعض الخبراء الألمان تقنياتٍ كان يوظفها خطباء روما القديمة للتذكر والإقناع.
النسيانُ مِن طبيعة الإنسان؛ فقد يحدثُ، مثلاً، أن ننسى عيدَ ميلاد أحدِ أصدقائنا أو رقمَ بطاقتنا الائتمانية أو رقماً في كلمةَ سِرِّ بريدنا الالكتروني. غير أن هناك أشخاصاً يوظفونَ تقنياتٍ تساعدهم على التذكر، ومن بينهم بطلُ العالم، ثمانِ مرّاتٍ، في الحساب الذهني غيرتْ ميترينغ الذي أكد في حوارٍ مع دويتشه فيله على أن تقنيات التذكر يمكن أن يستعين بها كلُّ شخصٍ، كيفا ما كانَ، بغض النظر عن قدراتِه الذهنية.
الربطُ بين الأشياء
يؤكد بروفيسور كْريستيان إيلْغْر من جامعةِ بون الألمانية على أهمية الربط بين الأشياء لتقوية مَلَكةِ التذكر:"إنَّ أفْضَلَ وسيلةٍ [للتذكر] هي أن تتخيّلَ شيئين؛ فعند التبضّعِ، مثلاً، لشراءِ أغراض البيت، إغمضْ عينَيْكَ، قليلاً، وتخيَّلْ بأنكَ تُنظفُ في بيتكَ. بهذه الطريقة ستتبادرُ إلى ذهنكَ وسائلُ التنظيف التي كنتَ قد سجّلْتَها على قائمة الشراء التي نسيتَها على طاولةِ المطبخ." غير أن الأهم في عمليات الربط، كما يرى ميترينغ، هو أنْ تكون أصيلةً وخاصةً بصاحبها كأنْ تتم محاولةُ الربط بين الأشياء من خلال توظيفِ هواية الشخص. وفي هذا السياق يتذكر ميتينغْ -الذي يتربع على عرشِ الحساب الذهني في العالم- أرقاماً معينةً استناداً إلى الخصائص العددية، فيتذكر رقم 251 من خلال كونِه أصغرَ عدَدٍ أولي أكبر من ربْعِ 1000. لكنّ ميترينغ لا ينصح بالاستعانة بهذه التقنية الصعبة.
بيضة الفطور، وورقةُ البرسيم، والأقزامُ السبعة
الباحث في عالم الذاكرة والتذكر وبطل العالم للحساب الذهني عدة مرات :غيرد ميترينغ
في كتابه الأخير "تعلم الحساب مع بطل العالم" يصف ميترينغ الطريقة التي تساعدنا على تذكر أيّ عدد بسهولة من خلال تقنية الربط؛ فَلِتَذَكُّرِ عدد 047، على سبيل المثال. فهو يَنصحُ بالربط بين العدد صفر (0) وبيضة الفطور، وبين العدد أربعة (4) ونبتةِ برسيم بأربعة أوراق، وبين العدد سبعة (7) قصةالأقزام السبعة. وينصح ميترينغ، إضافة إلى ذلك، بصناعة قصةٍ تجمع بين كل هذه الأعداد من خلال تصوّر معيّنٍ، مثلاًَ: بيضة الفطور في نبتة برسيم إلى جانب الأقزام السبعة. هذه الطريقة تساعدنا في حياتنا اليومية على تذكر الأعداد التي نسيناها.
دَرسُ تْسيتْسيرو، وقائمة المشتريات
كانت مدارس الخطباء في روما القديمة، على غرار مدرسة السياسي والكاتب والفيلسوف ماركوس تسيتسيرو، توظفُ ما يسمى بتقنية "لوتْسي" التي كانت تساعد الخطيب على حفظ خطبِه عن ظهر قلب. ووفقَ هذه التقنية كان الخطباء يتخيلون أنفسهم وهم ينتقلون داخل بيتٍ من غرفة إلى غرفة أخرى، وكل غرفة يتصورونَها كانت ترمز إلى مجموعة من الحجج التي كانوا يعتمدون عليها في الإقناع المنطقي.
وحسب بروفيسور إلغر، فإن تقنية "لوتسي" هذه تساعدنا على تذكر قائمة الشراء، وذلك عندما نتخيلُ أنفسنا أثناء التسوق ونحن نَعبر داخل منزلنا مِن غرفة إلى أخرى، وكلُّ غرفة ترمز إلى الحوائج التي نريد شراءها.
مشاعر قوية، ونجومٌ في سماء الأعداد
بروفيسور كْريستيان إيلْغْر من جامعةِ بون الألمانية
للمشاعر دور مهم في التذكر؛ فلا أحد منّا يمكن أن ينسى اعتداءات الحادي من سبتمبر أو تاريخ ميلاد صديق عزيز علينا أو يومَ زفافنا، بمعنى أن الإنسان لا يتذكر، حسب كريستيان إيلغر، سوى ما يكتسي قيمةً عليا في حياته؛ لأنّ في دماغ الإنسان بنية مسؤولة عن المشاعر تٌدعى "اللوزة الدماغية" وتقعُ على الحُصَيْن (hippocampus) الذي يمثّلُ بنيةَ الذاكرة المركزية. وثمة بين اللوزة الدماغية والحصين علاقة وثيقة جداً.
ويبدو أن الحفاظَ على الأعداد في الذاكرة من خلال ربطها بمشاعر قوية عمليةٌ ناجعة لدى غِيرْدْ ميتْرينغ الذي يصف في كتابه المشاعرَ التي تثيرها الأعداد الأولية لدى عالِمِ الرياضيات، ولدى كل شخص مولع بعالَم الأعداد، وذلك بسبب خصوصيتها، فهي أشبه بنجومٍ في سماء الأعداد، وتتميز بعنادها، وغموضها. وهنا يمكن أن نتصور حجم معاناة عالم الرياضيات من أعدادٍ لا يمكن ضبطها أو السيطرة عليها.
العِبءٌ البَنّاء
للاحتفاظ، من هنا فصاعداً، بالذاكرة في الحياة اليومية يقترح علينا بروفيسور كريستيان إلغر أن نقوم بالأشياءِ بوعي أكبر، وينصحنا، مثلاً، بالتركيز أثناء كتابة قائمة شراء أغراض البيت، والابتعادِ، مِن ثَمَّ، عن كل ما من شأنه أن يشغلنا عن ذلك.
وإضافة إلى ذلك ينصحنا بروفيسور إلغر بإضفاءِ طابع التنوع على حياتنا اليومية بهدف تقوية ذاكرتنا ، والتحررِ، بين حين وآخر، من التحديات الكبرى من خلال قراءة الروايات البوليسية أو حل الألغاز أو تعلم اللغات، وهذا ما يسميه الأستاذ في جامعة بُونْ ب "العبء البنّاء".
]