تعودين من العمل أو الدراسة مرهقة.. تتناولين الغداء وغالبا ما يواجهونك في البيت بمشكلة ما عليك حلها.. تذهبين لتنامي كي تريحي ذهنك قليلا.. غير عالمة أن المخ يكون في أوج نشاطه أثناء النوم.. تستيقظين لتواصلي إرهاق ذهنك المعتاد..
من الغريب جدا في تصميم الإنسان.. هذان العضوان الغريبان:
المخ والقلب! فهذان العضوان لا يتوقفان منذ أن يولد الإنسان..
وتوقف أحدهما يعني توقف الحياة ذاتها..
ومن الغريب أيضا أن هذين العضوين الهامين جدا, من الممكن المحافظة عليهما عن طريق الحياة بأسلوب يبعد عنهما الضغوط..
فهل سمعت عن شخص أصيب بجلطة في المخ أو أزمة قلبية من جراء صدمة ما؟
هذا هو ما علينا فعله في حياتنا ببساطة.. البعد عن الضغوط..
راحة الذهن
فما يصيبنا بالضيق والكرب والتعاسة.. ليست المواقف التي تحدث لنا.. ولكن الطريقة التي نرى بها هذه الأحداث.. أذهاننا هي التي تخلق لنا السعادة أو التعاسة.. عرفنا أن الشخص قد يكون جالسا في مكان جميل وسط الأصدقاء, بينما عقله مسافر إلى زمن آخر مليء بالتعاسة.. إما الماضي وآلامه وجروحه, وإما المستقبل والخوف المرضي منه...
دعوني أقدم لكن أسلوبا هاما جدا, يساعدكن على الاسترخاء وترك كل ضغوط الحياة خلفكن..
ومن الغريب أن هذا الأسلوب موجود في كل الثقافات الإنسانية بأسماء وأوصاف مختلفة..
دعونا نتأمل معا..
التأمل!
خطوات التأمل
عقولنا تعمل طوال الوقت كما نعرف.. هذا الأسلوب البسيط يجعلنا ببساطة, نريح هذا العضو المسكين قليلا..
حسنا.. اجلسي في مكان هادئ لا يزعجك فيه أحد..
اجلسي في وضع مريح.. يفضل أن تجلسي على الأرض أو على وسادة مريحة..
هيء مكانا جيدا..
يفضل أن يكون المكان مريحا.. هادئا.. ذا إضاءة خافتة..
الهدف من ذلك هو تقليل المؤثرات التي تستقبلها حواسنا.. فالمخ مطالب طوال الوقت بتفسيرالأصوات واللغة التي نسمعها والأشياء التي نراها, والأسطح التي نلمسها.. يمكنك أن ترشي معطرا تحبينه, وتجلسي مسترخية..
ولا تنسي إغلاق الموبايل! أو ابعاده عن الغرفة التي أنت فيها
هدفنا هنا هو محاولة عدم التفكير في شيء.
التنفس..
هناك تمرينات كثيرة للتنفس.. تتنفسين حتى العد لـ4 وتكتمين الهواء لثانيتين, ثم تخرجيه ببطء حتى العد لـ4..
لا أعتقد أن سعة الرئة متساوية عند كل البشر وكل الأعمار.. لذلك أتحفظ قليلا على هذه الطريقة..
لذلك يقولون إن الأسلوب الأمثل للتنفس حين تتأمل هو: لا تتنفس! التنفس عملية لا إرادية أساسا.. فدعيها تأخذ مجراها الطبيعي.. دعي الهواء ينساب في هدوء إلى رئتيك, دون أن تتعمدي أنت سحبه.. ثم دعي الهواء يأخذ وقته في رئتيك.. لا تزفري بل اتركي الزفير يخرج وحده.. دعي الهواء يخرج في بطء حتى ينتهي الهواء من صدرك.. وهكذا.. لا تتعمدي الزفير أو الشهيق بل اتركي هذه العملية اللا إرادية تأخذ طريقها.. فقط تنفسي من بطنك للسماح بكم أكبر من الهواء بالدخول والخروج.. (أي ترك بطنك تتحرك وليس صدرك أثناء التنفس, اندمجي مع الكون!
تأملي نقطة واحدة على الأرض, أو أغمضي عينيك (وهو ما أفضله)... وابدأ التأمل..
تعلمي ألا تحاولي تفسير أي شيء تسمعيه.. أنت تسمعينه فقط دون أن تفكري فيه.. أريحي عقلك من مشقة تفسير كل شيء.. حتى إن رن الهاتف فلا تفكري في الأمر كثيرا.. تأملي رنة التليفون نفسها.. ولا تفسري معناها.. ركزي في تنفسك.. في السواد الذي ترينه أمامك وأنت مغمضة عينيك.. المهم أن تركزي في شيء واحد فقط.. شيء واحد فقط.. من الممكن أن تختاري كلمة إيجابية, وتردديها وتكرريها أثناء التأمل.. هذا سيساعدك في التركيز في هذه الكلمة فقط.. ستلاحظين أنها بعد فترة, أصبحت غريبة وكأنما فقدت معناها.. لا بأس.. المهم أن تواصلي التركيز فيها فقط..
المهم أن تركزي في شيء واحد فقط..
ستجدين أنك تتذكرين أشياء ما أو تفكرين في أشياء يجب فعلها.. ستجدين أن عقلك يبتعد عن هذه المهمة ويواصل إرهاق نفسه في التفكير في أشياء كثيرة.. اسحبيه في هدوء وركزي في الشيء الوحيد الذي تركزي فيه.. دون تفكير.. دون تفكير.. من الغريب أن نفكر في ألا نفكر!ههههه لكن هذا هو التأمل ببساطة.. لو أردت, يمكنك أن تتركي لعقلك العنان بعد فترة.. دعيه يفكر فيما يشاء دون أن تحاولي أن تجبريه على التركيز في شيء.. ستتعجبين من الأشياء التي ستتذكرينها أو الأشياء التي يحاول عقلك إخبارك بها.. فقط لا تتعمدي شيئا إلا التركيز في شيء واحد فقط.. ولا تفكري في شيء آخر. مدة التأمل
هدف هذا التمرين هو إراحة عقلك وذهنك من العمل المتواصل.. بعدها سيكون ذهنك أكثر صفاء..
المبالغة في التأمل غير مطلوبة طبعا.. ربع ساعة كافية ولا تبالغي في الموضوع..
فالفكرة تشبه الماساج مثلا.. الماساج يريح عضلات الرياضيين..
أما لو كنت لا تمارس الرياضة فلا داع للمبالغة في المساج كي لا ترتاح عضلاتك أكثر من اللازم!
افتحي عينيك بعد التأمل وعدي لما كنت تقومين به.. وصدقيني.. ستلاحظين الفرق!
التأمل, في الثقافات المختلفة
هل وقفت تتأملين البحر من قبل؟ كما أفعل أنا
تأمل الطبيعة يعتبر نوعا من أنواع التأمل.. أنت تشاهدين أمواج البحر وتتأملين جماله.. دون أن تفكري في أي شيء آخر.. ما أروع هذا الشعور تتأملين جمال مشهد الغروب دون أن تفكري في أي شيء آخر.. هذا تأمل!
لهذا نحب المناظر الطبيعية.. لأنها تعطينا فرصة لأن نركز في شيء واحد دون أن نحاول فلسفته والتفكير في أبعاده ومقارنته بمشاكلنا وأعبائنا.. جمال الطبيعة مغناطيس
كني إيجابية.. وإليك الطريقة!
عقلك .. لا مكانك هو ما يجب أن يتغير!
لماذا نقلق؟! تخلّ عن أهدافك!
البحر مثلا يجذب أذهاننا إليه فيريحها من عبء التفكير المتواصل..
لهذا يقولون (أنا قاعد قدام البحر باريح أعصابي) أو (باغسل همومي).. هذه التعبيرات تعني بلغة أخرى: التأمل!
هل تجيدين التأمل أمام الطبيعة؟أنا تعلمتها منذ صغري فقد كانت الطبيعة تؤنسني في وحدتي
حاولي وأخبريني
التدين والتأمل.. الدين يريح القلب ويعطيه السكينة.. فهل تعرفون أن ممارسة التعاليم الدينية تحقق كل أهداف التأمل؟
فالتسبيح في الإسلام نوع من أنواع التأمل.. فتكرار كلمة بعينها يساعد على الاسترخاء والتمعن في معناها جيدا.. ؟ حيث تكرار كلمات معينة للوصول إلى درجة معينة من التأمل؟ التدبر.. هو المرادف الإسلامي للتأمل.. فلو تدبرت في خلق الله وجلست ساعة تذكر الله بعد صلاة الفجر.. فإن هذا نوع راق من التأمل!
الخلاصة هناك أساليب عديدة لإراحة عقلك..
الأسلوب الكلاسيكي هو ما ذكرته لكن..
والأساليب الأخرى يمكنك أن تجديها في حياتك العادية، وتمارسيها طبقا لما يناسبك..
-
فذكر الله وتدبر خلقه, تأمل..
-
تأمل جمال الطبيعة، تأمل..
-
مشاهدة المناظر التي تمر أمامك من نافذة مترو الأنفاق وأنت شاردة, تأمل..
-
السفر إلى الريف والجلوس .. تأمل..
-
وكذلك ..أو مداعبة طفل رضيع.. تأمل!
فقط تعلمي أن تريحي عقلك من حين لآخر.. ألا تفكري إلا في اللحظة الحالية التي تعيشينها الآن, وليس الماضي أو المستقبل.. عشر دقائق فقط، ستعودين بعدها أكثر نشاطا وإقبالا على الحياة.. ألا تستحق أذهاننا بعضا من الراحة بعد كل ما قدمته لنا طوال سني عمرنا؟
جربي هذه الطريقة يوما, إذا وجدت ذهنك قد أثقل أكثر من اللازم..
وتذكري أننا نعيش في هذه الدنيا حياة واحدة فقط..
فدعيها تكن أروع حياة ممكنة..