ان شاء الله يا بنات تكونوا حفظتوا الحديث الأولانا ما رضيت احط الحديث الثاني حتى حفظت الأولعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال:
بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ) رواه مسلمإِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ الرجل هنا مبهم، وهو رجل في شكله لكن حقيقته أنه مَلَك.
شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ أي عليه ثياب . شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ أي أنه شاب.
لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن ثيابه بيضاء وشعره أسود ليس فيه غبار ولا شعث السفر، ولهذا قال: لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن المسافر في ذلك الوقت يُرى عليه أثر السفر، فيكون أشعث الرأس،مغبرّاً، ثيابه غير ثياب الحضر، لكن لا يرى عليه أثر السفر.
وَلا يَعْرِفْهُ مِنَّا أَحَدٌ أي وليس من أهل المدينة المعروفين، فهو غريب.حَتَّى جَلَسَ إِلىَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عنده ليفيد الغاية،أي أن جلوسه كان ملاصقاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال: أَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلىَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ أي كفي هذا الرجل عَلَىَ فَخِذَيْهِ أي فخذي هذا الرجل، وليس على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من شدة الاحترام.وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ولم يقل:يا رسول الله ليوهم أنه أعرابي، لأن الأعراب ينادون النبي صلى الله عليه وسلم باسمه العلم، وأما أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلاة والسلام .
أَخْبِرْنيِ عَنِ الإِسْلامِ أي ما هو الإسلام؟ أخبرني عنه.فَقَالَ:
الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ
تشهد أي تقرّ وتعترف بلسانك وقلبك، فلا يكفي اللسان، بل لابد من اللسان والقلب، قال الله عزّ وجل: (
إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(الزخرف: الآية86)
[b]لا إله إلا الله:أي: لا إله حق إلا الله عزّ وجل، وهناك آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقّة، وليس لها من حق الألوهية شيء،ويدل لذلك قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) (الحج:62)وَ
أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ أي وتشهد أن محمداً رسول الله،ولم يقل: إني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لأنه يخاطبه، لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيماً. وقوله: مُحَمَّداً هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي من ذرية إسماعيل، وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه، وهو المعني بقول الله تعالى عن إبراهيم وإسماعيلرَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ) (البقرة: الآية129رَسُولُ اللهِ رسول بمعنى مرسل، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به.
َتُقِيْمَ الصَّلاةَ أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة.
وكلمة: الصَّلاةَ تشمل الفريضة والنافلة.
وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي المال الواجب بذله لمستحقه من الأموال الزكوية تعبداً لله، وهي الذهب والفضة والماشية والخارج من الأرض وعروض التجارة.
وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ أي تمسك عن المفطرات تعبداً لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وأصل الصيام في اللغة: الإمساك.
ورمضان هو الشهر المعروف مابين شعبان وشوال.
وَتَحُجَّ البَيْتَ أي تقصد البيت لأداء النسك في وقت مخصوص تعبداً لله تعالى.إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلِيْهِ سَبِيْلا قَالَ: صَدَقْتَ
القائل صدقت: جبريل عليه السلام وهو السائل،
فكيف يقول: صدقت وهو السائل؟ لأن الذي يقول: صدقت للمتكلم يعني أن عنده علماً سابقاً علم بأن هذا الرجل أصابه،وهو محل عجب، ولهذا تعجب الصحابة كيف يسأله ويصدقه، لكن سيأتي إن شاء الله بيان هذا.مسألة: هل هذه الشهادة تُدخِل الإنسان في الإسلام ؟والجواب: نعم تدخله في الإسلام حتى لو ظننا أنه قالها تعوّذاً،فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننا أنه قالها كاذباً،
ودليل ذلك قصة المشرك الذي أدركه أسامة بن زيد رضي الله عنهما حين هرب المشرك، فلما أدركه أسامة بالسيف قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ظنّاً أنه قالها تعوّذاً من القتل، أي قالها لئلا يقتل فقتله، فلما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل يردد: أَقَتَلتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا الله؟ قَالَ: يَارَسُوْلَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذَاً [11] فجعل يردد: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قال أسامة : فتمنيت أنني لم أكن أسلمت بعد، من شدة ما وجد رضي الله عنه .[color=olive]إذاً نحن ليس لنا إلا الظاهر حتى لو غلب على ظننا أنه قالها تعوذاً عصمته، نعم لو ارتد بعد ذلك قتلناه، وهذا يوجد من جنود الكفر إذا أسرهم المسلمون قالوا: أسلمنا. من أجل أن يعصموا أنفسهم من القتل، فيسأل المجاهدون ويقولون: هل نقتل هؤلاء بعد أن قالوا: لا إله إلا الله أم لا ؟
وقوله: أنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ الله فلابد أن تشهد أنه رسول الله، أي مرسلِهُ إلى الخلق، والرسول هو من أوحى إليه الله بشرعٍ وأمره بتبليغه، وكان الناس قبل نوح على ملة واحدة لم يحتاجوا إلى رسول، ثم كثروا واختلفوا، فكانت حاجتهم إلى الرسل، فأرسل الله تعالى الرسل، قال الله عزّ وجل: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)(البقرة: الآية213)
فالرسل إنما بعثت حين اختلف الناس ليحكموا بينهم بالحق، ولهذا كان أول الرسل نوحاً عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم . فلابد من الإيمان بأن محمداً رسول الله، ولابد أن نؤمن بأنه خاتم النبيين.
ومما سبق يُعلم خطأ المؤرّخين الذين قالوا: إن هناك رسولاً أو أكثر قبل نوح، فليس قبل نوح عليه السلام رسول بدليل قول الله تعالىإِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ)(النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب)(الحديد: الآية26) أي في ذريتهم خاصة.
ومن السنة في قصة الشفاعة أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُوْلٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ [15]فعقيدتنا أن أول الرسل نوحٌ عليه السلام، وآخرهم: محمد صلى الله عليه وسلم . فمن ادعى النبوة بعد محمد فحكمه أنه كافر،لقول الله تعالى: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النبيينَ )(الأحزاب: الآية40) ولم يقلْ سبحانه وخاتم الرسل ، مع أنه قال رسول الله بالأول، لأنه إذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل، إذ لا رسالة إلا بعد النبوة، فإذا انتفت النبوة من بعده فالرسالة من باب أولى.
شهادة أن محمداً رسول الله تستلزم أموراً منها:
الأول: تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، بحيث لايكون عند الإنسان تردد فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، بل يكون في قلبه أشد مما نطق،كما قال عزّ وجل في القرآن: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(الذاريات: الآية23) فالإنسان لايشك فيما ينطق به،كذلك ماينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نشك فيه، ونعلم أنه الحق، لكن بيننا وبينه مفاوز وهو السند، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمامنا لكن إذا ثبت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجب علينا تصديقه،سواء علمنا وجهه أم لم نعلمه، أحياناً تأتي أحاديث نعرف المعنى لكن لا نعرف وجهها، فالواجب علينا التصديق.
الثاني: امتثال أمره صلى الله عليه وسلم ولا نتردد فيه لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )(الأحزاب: الآية36) ولهذا أقول:من الخطأ قول بعضهم: إنه إذا جاءنا الأمر من الله ورسوله بدأ يتساءل فيقول: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ كما يقوله كثير من الناس اليوم،وهذا السؤال يجب طرحه وأن لا يورد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقولون يا رسول الله: هل الأمر للوجوب أو الأمر للاستحباب أو غير ذلك؟ بل كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا. نقول: لا تسأل وعليك بالامتثال، أنت تشهد أن محمداً رسول الله فافعل ما أمرك به.
وفي حالة ما إذا وقع الإنسان في مسألة وخالف الأمر، فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير الوجوب، لأنه إذا كان للوجوب وجب عليه أن يتوب منه لأنه خالف، وإذا كان لغير الوجوب فأمره سهل.
ثالثاً : أن يجتنب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بدون تردد، لايَقُلْ: هذا ليس في القرآن فيهلك، لأننا نقول: ما جاء في السنة فقد أمر القرآن باتباعه. ولقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وأمثاله الذي يقول هذا ليس في القرآن فقال: لاَ ألْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى أَرِيْكَتِه أي جالساً متبختراً متعاظماً يَأْتِيْهِ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِيْ فَيَقُولُ مَا أَدْرِيْ، مَا كَانَ فِيْ كِتَابِ اللهِ اِتَّبَعْنَاهُ [16] أي وما لم يكن لانتبعه، مع أننا نقول : كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في القرآن، لأن الله تعالى قال: ( وَاتَّبِعُوهُ ) (الأعراف: الآية158) وهو عام في كل ماقال.
رابعاً : أن لايقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلىهذا لايجوز أن تقدم قول فلان - الإمام من أئمة المسلمين - على قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنك أنت والإمام يلزمكما اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . وماأعظم قول من إذا حاججته وقلت: قال رسول الله ، قال: لكن الإمام فلان قال كذا وكذا، فهذه عظيمة جداً، إذ لايحل لأحد أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من المخلوقين كائناً من كان حتى إنه ذُكِر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يُوْشكُ أَن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبوبكر وعمر [17] ومن إمام هذا الرجل المجادل بالنسبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
خامساً : أن لايبتدع في دين الله مالم يأتِ به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء عقيدة، أو قولاً، أو فعلاً، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أن محمداً رسول الله، لأنهم زادوا في شرعه ماليس منه، ولم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
سادساً : أن لايبتدع في حقه ماليس منه، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد ناقصون في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله، لأن تحقيقها يستلزم أن لاتزيد في شريعته ماليس منه.
سابعاً :أن تعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من الربوبية، أي أنه لايُدعى، ولايُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه، فهو عبد الله ورسوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ )(الأعراف: الآية188] وبهذا نعرف ضلال من يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لايملك لنفسه نفعاً ولاضراً فكيف يملك لغيره؟ ولهذا أمره الله أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الجن:21-22] أي أنه هو عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به ما يريد ما استطاع أحد من الناس أن يمنع إرادة الله فيه. إذا كان كذلك فمن الضلال البيّن أن يستغيث أحدٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا من الشرك، فلو جاء إنسان مهموم مغموم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله أغثني فإني مهموم مغموم، فيكون هذا مشركاً شركاً أكبر، لأنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوة الميت أن يغيثك أو يعينك شرك، لأنه غير قادر، فهو جسد وإن كانت الروح قد تتصل بالجسد في القبر لكن هو جسد، وهذا لاينافي أن يكون حياً في قبره حياة برزخية لاتشبه حياة الدنيا.
ثامناً: احترام أقواله، بمعنى أن يحترم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضع أحاديثه عليه الصلاة والسلام في أماكن غير لائقة، لأن هذا نوع من الامتهان، ومن ذلك: أن لا ترفع صوتك عند قبره، وقد سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين قدما من الطائف فجعلا يرفعان أصواتهما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لَوْلاَ أَنَّكُمَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبَاً [18] لأن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:2) .
ولماَ نزلت هذه الآية كان رجل من الصحابة يقال له: ثابت بن قيس رضي الله عنه ممن يخطب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جهوري الصوت، فلما نزلت هذه الآية بقي في بيته يبكي ليلاً ونهاراً رضي الله عنه هؤلاء الذين يعلمون قدر القرآن الكريم، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم لأن من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفقّد أصحابه، وهذا من حسن رعايته صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقالوا: يارسول الله إن الرجل منذ أنزل الله تعالى هذه الآية وهو في بيته يبكي ليلاً ونهاراً، فقال صلى الله عليه وسلم : (اِذْهَبْ فَادْعُهُ لِي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: مَايُبْكِيْكَ يَاثَابِتُ فقال:أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ.، لأن الله تعالى يقول: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2] فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيْشَ حَمَيدَاً، وَتُقْتَلَ شَهِيْدَاً، وَتَدْخُلَ الجَنَّة [19] ، الله أكبر،كل من خاف من الله أمن، فهو بقي في بيته خائفاً من الله عزّ وجل ولكن أمَّنه الله ، ولهذا يجب علينا وجوباً أن نشهد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه من أهل الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا. فبقي الرجل حميداً في حياته وشارك المسلمين في قتال مسيلمة الكذاب، وغزوة مسيلمة الكذاب معروفة ومشهورة في التاريخ، وقتل رضي الله عنه شهيداً، ويدخل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يارب العالمين.
[b]وقوله الصّلاةَ يشمل كل الصلاة:الفريضة والنافلة،وهل تدخل صلاة الجنازة أو لا؟يحتمل هذا وهذا، إذا نظرنا إلى عموم اللفظ قلنا: إنها داخلة لأنها صلاة،كما قال الله عزّ وجل : (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ) (التوبة: الآية84) ‘ وإن نظرنا إلى أن صلاة الجنازة صلاة طارئة حادثة يقصد بها الشفاعة للميت قلنا: لاتدخل في هذا الحديث، لكن تدخل في عموم الأمر بإحسان.
وَتُؤْتي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي: المال الواجب في الأموال الزكوية، فيعطيه الإنسان مستحقه تعبّداً لله عزّ وجل ورجاءً لثوابه.
مثال ذلك: الدراهم والدنانير فيهما زكاة، وهي ربع ا لعشر، أي تأخذ ربع العشر وهو واحد من أربعين وتعطيه المستحق.
وقد بيّن الله عزّ وجل أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية أصناف فقال عزّ وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )(التوبة: الآية60) أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلاء ولا نعطي غيرهم: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة: الآية60) وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب الفقه ولا حاجة إلى تفصيله هنا[21] .
وَ
تَصُوْمَ رَمَضَانَ بأن تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبّداً لله تعالى.
والمفطرات أيضاً معروفة لاحاجة إلى ذكرها[22] ولكن ننبّه على شيء مهمّ فيها: أن المفطرات لاتفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: أن يكون عالماً، وأن يكون ذاكراً، وأن يكون مريداً.
فضدّ العالم الجاهل، فلو أكل الصائم يظن أن الليل باقٍ ثم تبين أنه قد طلع الصبح وهو يأكل فحكم الصوم أنه صحيح.
ولو أكل يظن غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب فالصوم صحيح، ودليل ذلك: ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس [23] ولم يأمرهم بالقضاء، فلو كان القضاء واجباً لكان يبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولنُقِلَ إلينا، لأنه إذا كان واجباً لكان القضاء من شريعة الله، ولابد أن تنقل، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: الآية286) وقوله: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: الآية5).
ولو أكل غير مريد للأكل أو شرب غير مريد للشرب بأن كان مكرهاً فصيامه صحيح، ومن ذلك:أن يكره الرجل زوجته فيجامعها وهي صائمة، فليس عليها شيء لاقضاء ولاكفّارة.
هذه مهمة لأن كثيراً من الفقهاء يقولون: إن الإنسان إذا أكل جاهلاً بالوقت سواء من أول النهار أو آخره وجب عليه القضاء إذا تبيّن أنه قد أكل في النهار، ولكن يقال: إن الذي شرع الصوم للعباد هو الذي رفع عنهم الحرج بهذه الأعذار.
وَتَحُجّ البَيْتَ أي تقصده. لأداء المناسك في وقت مخصوص تعبّداً لله تعالى.
وهل يدخل في ذلك العمرة أو لا ؟فيه خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن العمرة داخلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : العُمْرَةُ حَجٌّ أَصْغَر[24] لأنه وردت روايات في نفس الحديث فيها ذكر العمرة.
والصحيح أن العمرة دون الحج، أي ليست من أركان الإسلام لكنها واجبة يأثم الإنسان بتركها إذا تمّت شروط الوجوب.
إِنِ اسْتَطَعْتَ إَلِيْهِ سَبِيْلاً مأخوذ من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(آل عمران: الآية97) قد يقول قائل: هذا الشرط في جميع العبادات لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: الآية16) فلماذا خص الحج؟
نقول: خص الحج لأن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم القدرة، فلذلك نص عليه وإلا فجميع العبادات لابد فيها من الاستطاعة.
قَالَصَدَقْتَ) أي أخبرت بالحق، والقائل هو جبريل عليه السلام.قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلهُ وَيُصَدِّقُه ووجه العجب أن السائل عادة يكون جاهلاً، والمصدّق يكون عالماً فكيف يجتمع هذا وهذا، ومثاله: لو قال قائل: فلانٌ قدم من المدينة، فقال بعضهم:صدقت، فمقتضى ذلك أنه عالم، فكيف يسأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول صدقت؟ هذا محل عجب، وستأتي الحكمة في ذلك.قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ قال: أي جبريل، فأخبرني: أي يا محمد عن الإيمان؟والإيمان في اللغة: هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - باستفاضة في كتابه: (كتاب الإيمان.
وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازاً مما لو أقر لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ،حيث أقر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به - نسأل الله العافية - ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان.
قَالَ: الإِيْمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرسله، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ
هذه ستّة أشياء: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء: الأول :
الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن، ومع ذلك لايمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين؟ كان مقرّاً بالله، قال له موسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) (الإسراء: الآية102) لكنه جاحد،كما قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(النمل: الآية14) الثاني :
الإيمان بانفراده بالرّبوبية، أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر.
فمن الذي خلق السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .
ومن الذي خلق البشر ؟ الله عزّ وجل .
ومن يملك تدبير السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل . الثالث : إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهاً يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به. الرابع : أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .والإيمان بالملائكة يتضمّن:أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم،أن نؤمن بأن هناك ملَكاً اسمه كذا مثل جبريل.
ثانياً : أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:
جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.
وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .
هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما يستفتح صلاة الليل فيقول: اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإِسْرَافِيْلَ [29] والحكمة من هذا : أن كل واحد منهم موكل بحياة: فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عزّ وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(الشورى: الآية52) وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.
كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة، فمثلاً: هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:16-18] فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم،وقال الله عزّ وجل أيضاً في آية أخرى
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كراما كاتبين) [الانفطار:9-11] يكتبون كل قول يقوله الإنسان، وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه، وجه كون هذا هو الظاهر: أن قوله عزّ وجل
مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي مؤكّدة بـ: (من) فتفيد العموم، لكن ما ليس له ولا عليه لا يحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير كثير.
وَكُتُبِهِ جمع كتاب بمعنى: مكتوب والمراد بها الكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) (البقرة:213)
وقال عزّ وجل: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) أي إبراهيم ونوح: (النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد:26] واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة عليها وهو القرآن، قال الله عزّ وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(المائدة: الآية48) كل الكتب منسوخة بالقرآن،فلا يُعمل بها شرعاً.
واختلف العلماء - رحمهم الله - فيما ثبت في شرائع من قبلنا، هل نعمل به إلا أن يرد شرعنا بخلافه، أو لا نعمل به؟
من العلماء من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه، وذلك أن ماسبق من الشرائع:
1
-إما أن توافقه شريعتنا
2-وإما أن تخالفه شريعتنا
3- وإما أن لاندري توافقه شريعتنا أم لا فيكون مسكوتاً عنه
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه، وهذا بالإجماع، واتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتاب السابق ولكن لشريعتنا.
- وما خالف شريعتنا فلا نعمل به بالاتفاق، لأنه منسوخ، ومثاله لا يحرم على الناس أكل الإبل في وقتنا مع أنها على بني إسرائيل - اليهود خاصة - كانت محرمة.
- وما لم يرد شرعنا بخلافه ولا وفاقه فهذا محل الخلاف: منهم من قال: إنه شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرعٍ لنا، ولكل دليل، وتفصيل ذلك في أصول الفقه.
والإيمان بالكتب يتضمّن أربعة أمور:أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً، وأنها من عند الله ولكن لانؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محرّفة ومبدلة، لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه حق من عند الله.
ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة.
ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف الشريعة على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا - وهو ا لحق - إذا لم يرد شرعنا بخلافه.
رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى.
فلو قال رجل: أنا لا أومن بأن هناك كتاباً يسمى التوراة، فإنه كافر، لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب.
وَرسُلِهِ أي أن تؤمن برسل الله عزّ وجل ، والمراد بالرسل من البشر، وليعلم بأنه يعبر برسول ويعبّر بنبي، فهل معناهما واحد؟
الجواب: أما في القرآن فكل من ذكر من الأنبياء فهو الرسول ، فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول، لكن معنى النبي والرسول يختلف، والصواب فيه: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع وأمر بالعمل به ولكن لم يؤمر بتبليغه، فهو نبي بمعنى مُخْبَر، ولكن لم يؤمر بالتبليغ. مثاله: آدم عليه السلام أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس برسول، لأن أول الرسل نوح، أما آدم فنبي كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذا قال قائل: لماذا لم يرسل؟
فالجواب:
لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة، قليلون وليس بينهم اختلاف، لم تتسع الدنيا ولم ينتشر البشر فكانوا متّفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة ويتبعوه، ثم لما حصل الخلاف وانتشر الناس احتيج إلى الرسل، كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(البقرة: الآية213فإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد آدم عليه السلام إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟
قلنا الفائدة: تذكير الناس بالشريعة التي نسوها، وفي هذا لا يكون الإعراض من الناس تاماً فلا يحتاجون إلى رسول ،ويكفي النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكرهم بالشريعة، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )(المائدة: الآية44) هذه هي الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الإيراد إيراد قوي وهو ما الفائدة من النبوة بلا رسالة؟ والجواب ماسبق. ولهذا جاء في حديث لكنه ضعيف: عُلَمَاءُ أُمَّتِيْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِيْ إِسْرَائِيْل[31] معناه صحيح لكنه ضعيف من حيث إنه مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
- وأوّل الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً، وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل، لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح، والدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) فأرسلهم الله وهم القمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد.
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرسول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) (النساء: الآية69) هذه أربعة أصناف.
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ [32] ولما التقى بهم في الإسراء أَمَّهم في الصلاة، فإبراهيم إمام الحنفاء صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لايقدم في الإمامة إلا الأفضل،فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم.
وهناك كلمة شائعة عند الناس: يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله، ولاشك أن محمداً صلى الله عليه وسلم حبيب الله فهو حابّ الله ومحبوب لله ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم خليل الله. والذين يقولون محمد حبيب الله قد هضموا حق الرسول صلى الله عليه وسلم،لأن المحبة أقل من الخلة، ولذلك نقول لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، لكن المحبة كثيرٌ كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: الآية195) و: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً)(الصف: الآية4) وغير ذلك من الآيات.
وقوله: واليوم الآخِرِ اليوم الآخر، هو يوم القيامة، وسمي آخراً لأنه آخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضاً، فالإنسان له أربع دور، في بطن أمه، وفي الدنيا، وفي البرزخ، ويوم القيامة وهو آخرها.
- الإيمان باليوم الآخر يتضمّن:أولاً: الإيمان بوقوعه، وأن الله يبعث من في القبور، وهو إحياؤهم حين ينفخ في الصور، ويقوم الناس لرب العالمين، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (المؤمنون:16) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلاً[34] ، وأنه واقع لامحالة، لأن الله تعالى أخبر به في كتابه وكذلك في السنة، وكثيراً مايقرن الله تعالى بين الإيمان به وبين الإيمان باليوم الآخر،لأن من لم يؤمن باليوم الآخر لايعمل، إذ إنه يرى أن لاحساب.
ثانياً: الإيمان بكل ماذكره الله في كتابه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في ذلك اليوم الآخر، من كون الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، أي ليس معهم مال، وهذا كقوله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (الأنبياء: الآية104) .
ثالثاً: الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم، والنار دار العذاب الشديد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في العقيدة الواسطية: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يكون بعد الموت مثل الفتنة في القبر فإن الناس يفتنون في قبورهم ويسألون عن ثلاثة أشياء: من ربك ؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟
رابعاً: الإيمان بنعيم القبر وعذابه، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف.
وهنا ننبّه على ما نسمعه من قول بعض الناس أو نقرأه في بعض الصحف إذا مات إنسان قالوا: انتقل إلى مثواه الأخير.
وهذا غلط عظيم، ولولا أننا نعلم مراد قائله لقلنا: إنه ينكر البعث، لأنه إذا كان القبر مثواه الأخير،فهذا يتضمن إنكار البعث، فالمسألة خطيرة لكن بعض الناس إمّعة، إذا قال الناس قولاً أخذ به وهو لا يتأمل في معناه.
وَتُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ وهنا أعاد صلى الله عليه وسلم الفعل: (تؤمن) لأهمية الإيمان بالقدر، لأن الإيمان بالقدر مهم جداً وخطير جداً.والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور:-
الأول : أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً.
دليل ذلك: عموم الأدلة مثل قول الله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: الآية282) وخصوص العلم بالغيب، وقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: ( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(طـه: الآية52) أي لايجهل ولاينسى ما علم.
وقد ذكر الله عزّ وجل العلم في آيات كثيرة جملة وتفصيلاً:
قال الله عزّ وجل في الجملة: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282]، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (الطلاق: الآية12) أي أخبرنا كم بهذا : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(الطلاق: الآية12) هذا مجمل.
ثانياً: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، قال الله عزّ وجل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس:12] أي في كتاب، وقال عزّ وجل : )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء:105] وهو اللوح المحفوظ : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء: الآية105) ، والآيات في هذا متعددة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما خلق القلم قال له: اِكْتُبْ، قَالَ رَبِّ: وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكتُبْ مَاهُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى فِيْ تِلْكَ السَّاعةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ [35] فأمر الله القلم أن يكتب؛ ولكن كيف يوجه الخطاب إلى الجماد؟
الجواب عن ذلك: نعم، من الله يصح لأنه هو الذي ينطق الجماد ثم إن الجماد، بالنسبة إلى الله عاقل يصحّ أن يوجه إليه الخطاب، قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) فوجّه الخطاب إليهما، وذكر جوابهما وكان الجواب لجمع العقلاء (طائعين) دون طائعات. والحاصل أن الله أمر القلم أن يكتب، وقد امتثل القلم، لكنه أشكل عليه ماذا يكتب، فقال: ربي وماذا أكتب ؟
قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك اللحظة بما هو كائن إلى يوم القيامة - سبحان الله - من يحصي الحوادث والوقائع إلا الله عزّ وجل ، وهذا اللوح المحفوظ مشتمل عليها.
- واللوح المحفوظ لانعرف ماهيته، من أيّ شيء؛ أمن الخشب، أم من حديد، ولانعرف حجم هذا اللوح ولاسعته، فالله أعلم بذلك والواجب أن نؤمن بأن هناك لوحاً كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق أن نبحث وراء ذلك.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة ما يسمّى بأقراص الليزر يتسع القرص الصغير إلى كتب كثيرة، وهو من صنع الآدمي، وأقول هذا تقريباً لا تشبيهاً،لأن اللوح المحفوظ أعظم من أن نحيط به.
ثالثاً: أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى،فلا يخرج شيء عن مشيئته أبداً . ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة: ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي شيء يحدث فهو بمشيئة الله.
وهذا عام، لما يفعله عزّ وجل بنفسه وما يفعله العباد،فكله بمشيئة الله، ودليل ذلك قول الله عزّ وجل : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة: الآية253) وقال عزّ وجل: (وَلَوْ شَاءَ ربك مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112] وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:137] وقال عزّ وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29،28] فكل ماحدث في الكون فهو بمشيئة الله، وإذا آمن الإنسان بهذا سلم من عمل الشيطان، فإذا فعل فعلاً وحصل خلاف المقصود، قال ليتني لم أفعل، فهذا من عمل الشيطان، لأن الذي فعلته قد شاءه الله عزّ وجل ولابد أن يكون، لكن إن كان ذنباً فعليك بالتوبة والاستغفار.
رابعاً: الخلق، ومعناه: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء، فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء، قال تعالى
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: الآية2) فكل شيء مخلوق لله: السموات، والأرضون، والبحار، والأنهار، والكواكب، والشمس، والقمر، الإنسان، الكل مخلوق لله عزّ وجل وحركات الإنسان مخلوقة لله،لأن الله تعالى خلق الإنسان وأفعاله، وإذا كان هو مخلوقاً فصفاته وأفعاله مخلوقة ولا شك، فأفعال العباد مخلوقة لرب العباد عزّ وجل ، وإن كانت باختيار العباد وإرادتهم لكنها مخلوقة لله، وذلك لأن أفعال العباد ناشئةعن إرادة جازمة وقدرة تامة، وخالق الإرادة والقدرة هو الله سبحانه وتعالى.
وهل صفات الله مخلوقة ؟
الجواب: لا، لأن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات الإنسان كذات الإنسان مخلوقة. وسنذكر في الفوائد إن شاء الله أن الناس انقسِموا في القدر إلى ثلاثة أقسام: مُفَرِّط، ومُفْرِط، ومقتصد، أي مستقيم.
قَالَ: صَدَقْتَ القائل جبريل عليه السلامثم قال: أخْبِرْني عَنِ الإِحْسَانِ الإحسان مصدر أحسن يحسن، وهو بذل الخير والإحسان في حق الخالق: بأن تبني عبادتك على الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلما كنت أخلص وأتبع كنت أحسن. وأما الإحسان للخلق: فهو بذل الخير لهم من مال أوجاه أو غير ذلك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الإحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وعبادة الله لا تتحقق إلابأمرين وهما: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي عبادة الإنسان ربه سبحانه كأنه يراه. عبادة طلب وشوق وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثاً عليها، لأنه يطلب هذا الذي يحبه، فهو يعبده كأنه يراه، فيقصده وينيب إليه ويتقرّب إليه سبحانه وتعالى.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ أي: اعبده على وجه الخوف ولا تخالفه، لأنك إن خالفته فإنه يراك فتعبده عبادة خائف منه، هارب من عذابه وعقابه، وهذه الدرجة عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الأولى.
فصار للإحسان مرتبتان: مرتبة الطلب، ومرتبة الهرب.
مرتبة الطلب: أن تعبد الله كأنك تراه.
ومرتبة الهرب: أن تعبد الله وهو يراك عزّ وجل فاحذره، كما قال عزّ وجل: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ )(آل عمران: الآية30)، وبهذا نعرف أن الجملتين متباينتان والأكمل الأول، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثاني في مرتبة ثانية متأخرة.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ لم يُعِد قوله صدقت اكتفاءً بالأولى.
والساعة هي: قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، يعني البعث، وسميت ساعة لأنها داهية عظيمة، قال الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج:1). فقال النبي صلى الله عليه وسلم مَا المَسْؤُوْلُ عَنْهَا يعني نفسه صلى الله عليه وسلم بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ يعني جبريل عليه السلام، والمعنى: إذا كنت تجهلها فأنا أجهلها ولا أستطيع أن أخبرك به، لأن علم الساعة مما اختص الله به عزّ وجل ، قال الله تعالى: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (الأحزاب:63) ، وقال عزّ وجل: (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً )(الأعراف: الآية187) ولهذا يجب علينا أن نكذب كل من حدد عمر الدنيا في المستقبل، ومن قال به أو صدق به فهو كافر.
ولَمَا قال ما السؤول عنها بأعلم من السائل، ثم قال: أخْبِرْنِي عَنِ أَمَارَاتِهَا أي علامات قربها، لأن الأمارة بمعنى العلامة، والمراد أمارات قربها وهو ما يعرف بالأشراط،قال الله عزّ وجل: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا )(محمد: الآية18) وأشراط الساعة قسّمها العلماء إلى ثلاثة أقسام:
أشراط مضت وانتهت
أشراط لم تزل تتجدد وهي الوسطى
أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة
ومن علامات الساعة ماذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله:
أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبّتَهَا وفي لفظ: ربَّهَا والمعنى: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ أي الرقيقة المملوكة رَبَّهَا أي سيدها، أو: ربَّتَهَا هل المراد العين أو الجنس؟
والجواب: اختلف في هذا العلماء. فمنهم من قال: المراد أن تلد الأمة رب